21 مايو 2009

قراءة في رواية عزازيل ... العبقرية

«عزازيل» تلك الرواية التي هي في الأصل (ترجمة أمينة لمجموعة اللفائف (الرقائق) التي اكتُشفت قبل عشر سنوات بالخرائب الأثرية الواقعة إلى جهة الشمال الغربي من مدينة حلب، والتي أشرف على اكتشافها الأبُ الجليلُ (وليم كازارى)، والمكتوبة باللغة السُريانية القديمة (الآرامية) أو (الأسطرنجيلية) لأن الأناجيل القديمة كانت تكتب بها.

كتبها راهب مصري الأصل اسمه «هيبا» في النصف الأول من القرن الخامس الميلادي، يحكي فيها سيرته العجيبة ويؤرخ عن غير قصد وقائع حياته القلقة وتقلبات زمانه المضطرب.

ترجمها «يوسف زيدان» من لغتها الأصلية إلى اللغة العربية وأعدها في كتاب روائي أسماه «عزازيل»، أَعَدَ الكتاب في ثلاثين فصلاً هي عدد الرقوق المعثور عليها، كما أنه بدأ الكتاب بفصل: مقدمة المترجم، وختمه ببعض الصور المرتبطة بأحداث الرواية.

عمل «زيدان» في الرواية اقتصر على:
1.      ترجمة الرقوق من لغتها الأصلية إلى اللغة العربة.
2.      أعطى الرقوق عناوين من عنده.
3.      استعمل الأسماء المعاصرة للمدن المذكورة في الرقوق إلا في بعض الأوضاع حسب ما رآه مناسبًا.
4.      وضع الشهور الميلادية التي تقابل الشهور القبطية التي ذكرها مؤلف النص في رقوقه.
5.      ألحق الترجمة ببعض الحواشي، التي كانت موجودة في الأصل على أطراف الرقوق.
كتب هوامش الرواية بلغة عربية راهب لم يصرح باسمه في حدود القرن الخامس الهجري. يقول «زيدان» في ذلك (وقد أوردتُ في هوامش ترجمتي بعضًا من حواشيه وتعليقاته الخطيرة ولم أورد بعضها الآخر لخطورته البالغة، وكان آخر ما كتب الراهب المجهول على ظهر الرِّق الأخير: سوف أعيد دفن هذا الكنز فإن أوان ظهوره لم يأن بعد.

لكني تساءلت كثيرًا عن سبب ذلك الاحتفاء وتلك الجوائر التي أصابتها «عزازيل» وحصدها «زيدان» ولم يكن شأنه في الرواية أكثر من شأن أى مترجم.

لكن سرعان ما تكتشفت الحقيقة واكتشفت العبقرية، التي استطاع «زيدان» إقناع الجميع عندما يشرعون في قراءة الرواية لأول مرَّة بأنها نَصٌ تاريخي قد ترجمه إلى العربية عن كاتبه الأصلي «هيبا». إلا أن «زيدان» في الحقيقة هو الكاتب الأصلي، وأن «عزازيل» كلها من وحيُ خياله وأن «هيبا» ذلك الراهب لم يكن أكثر من بطلاً متخيلاً للروايته التي قدمها بمنتهى البراعة والحبكة الأدبية، ودعمها بالحقائق التاريخية، وتحدث فيها عن اللاهوت المسيحي بإسلوب روائي رائع.

إذن يستحق «زيدان» ما جناه من احتفاء وتكريم وأكثر، إلا أن الأديب السويدي (بار لاجركفيست) بروايته (باراباس) كان له السبق في الحصول على أرفع الجوائز الأدبية عن نفس الفكرة وهي محاولة إقناع القارئ بأن أبطال أو أحداث العمل حقيقية.

نهايةً لا يسعني إلا أن أسجل أن «عزازيل» من أعظم الأعمال الروائية التي قُدمت في الفترة الأخيرة، كما أنها تستحق أن توضع مع (الأناجيل المحرمة والكتب الممنوعة) كما وضعها «هيبا» الراهب من قبلُ.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق