26 يناير 2011

عن ما حدث في يوم الغضب 25 يناير


صورة: ميدان التحرير وقت التظاهر في اليوم الأول
في بداية يوم 25 يناير كتبتُ:
النهاردة كانوا بيقولوا إن القوى السياسية هتتجمع علشان تعمل ثورة (رغم أني من أشد المحرضين على الثورات وعلى تحالف قوى الشعب إلا أنه بعد اطلاعي على تفاصيل ومطالب الثورة المزعومة أقول: سلامات يا ثورة) ..
بعدها:
جلست أتابع المشهد على شاشات التليفزيون، فحسبت أن الأمر مطمئنًا لمَّا خلت جميع الشاشات من أي أخبار عن تظاهرات في الشوارع المصرية، ثم بدأت الأخبار تتواتر على فيسبوك وبعض المواقع الإخبارية عن مصادمات حامية بين متظاهرين وقوات الأمن في الشوارع المصرية، وعن حالات تحرش من قِبل بعض أفراد الأمن ببعض المتظاهرين بل وتحول التحرش لاعتداء فعلي بالضرب والترويع بأن الضرب سيستمر حتى الموت، وانتشرت الأخبار على الشاشات الإخبارية الغير مصرية عن انتشار تظاهرات قوية في القاهرة، الاسكندرية، السويس، ومعظم المحافظات سواءً في مدن الدلتا أو وجه بحري أو قبلي ..
وكعادة الحكومة المصرية التي تتعامل مع كل مشكلاتها بسياسة الإخصاء منذ ثلاثة عقود (الحكومة التي عندما ينتشر في شعبها الفقر والجهل والبطالة تأمر بتحديد النسل، الحكومة التي عندما تفشل في توفير الكهرباء تقطعها بصفة عشوائية إجبارية لتتعطل الأعمال في المصالح خاصةً كانت أو حكومية ويعجز الناس عن إتمام أعمالهم، الحكومة التي عندما تفشل في إدارة شركات شعبها تخصخصها بعدما كنَّا نسعى لتأميمها، الحكومة الديكتاتورية التي تعتقل كل من يخالفها في ظلمها وفسادها ..) بدأت في قطع إتصال شبكات المحمول عن وسط البلد، وغلق المواقع الإخبارية المعارضة لها والمواقع الإجتماعية المهمة ..
قررتُ الخروج إلى الشارع والمشاركة في التظاهرات التي تعد الأقوى في الحقبة السياسية المصرية الأخيرة ..
كان كل حي من أحياء الاسكندرية يضم مظاهرة، تنادي صراحةً برحيل مبارك الرئيس هو وأسرته، وكانت الناس تنزل من البيوت لتنضم للمظاهرات، وكانت تنضم كل مظاهرة إلى الأخرى ليفوق العدد التصديق، لكن في الاسكندرية وأظن باقي المدن أيضًا عدا القاهرة كانت المظاهرات تفتقر إلى النظام، لأنها لم تكن تحت راية تحالف القوى السياسية الناشطة كما في القاهرة، كانت مظاهرات ومسيرات المحافظات أهلية شعبية بحته، فكانت تتضارب الهتافات أحيانًا، ويتشتت الناس عند مفترق الطرق لدقائق حتى تتجمع ثانية ..
لم أكن قبل ذلك أمتلك شجاعة رفع الصوت ومواجهة الجمهور، رغم أني كنت أحب أن أكون في الصوف الأولى دائمًا لمواجهة الأمن إذا واجهنا (أيام كنتُ فردًا من جماعة الإخوان المسلمين) لكن اليوم علا صوتي كثيرًا وحملني الناس على أكتافهم معظم الوقت لأوحد الصفوف والهتافات، وساعدني على ذلك الميجا فون الذي منحني إياه أحد المتظاهرين الذي نزل به بجهده الفردي، هتفنا كثيرًا وسرنا كثيرًا من دون تخريب أو ترويع طبعًا ..
وعندما اقتربنا من سيدي جابر رأينا تساقط العشرات الكثيرة من القنابل المسيلة للدموع علينا، كنت أسميها قبل ذلك العبوات الدخانية، كنت أحسبها فقط تسبب سحابة دخانية حتى لا يري المتظاهرون بعضهم فيتفرقوا، إلا أنها قنابل مدمرة فعلا، قنابل يدمر غازها الجهاز العصبي والتنفسي للإنسان فلا يستطيع أحد الصمود أمامها فعلا، بدأت الناس تهرب من الغاز وبدأت بعض النساء والشباب تتساقط على الارض لعدم احتمالها تأثير الغاز والجري، وبدأت الناس تفتح لنا أبواب بيوتها وتعطينا الماء، خفت آلامنا كثيرًا لما تأكدنا من روعة وأصالة الشعب المصري ..
نزلنا من البيوت وبدأنا نتجمع في الشوارع الجانبية التي كان في آخر أحدهما سيارة للشرطة يجلس فيها عسكري شرطة، رأي الناس تجري من بعيد هربًا من عصيان وقنابل الشرطة، فظن أنها تجري لتفتك به فخرج من سيارته وجرى بعيدًا، فما كان من المتظاهرين الذين رميت عليهم القنابل وضُرب الكثير منهم بالعصيان، إلا أن يصنعوا من سيارة الشرطة تلك قطعة كبيرة من الحديد تفريغًا لشعورهم بعدم الأمن في بلدهم صائحين (لا للذُل ولا للعار أخ بيضرب أخوه بالنار .. أمن الدولة يا أمن الدولة فين الأمن وفين الدولة) ..
وبقينا على الدرب نطوف الشوارع منادين بسقوط النظام ورحيل الرئيس، تواجهنا الشرطة، ونفترق، ونتجمع، إلى أن وصلنا إلى محطة الرمل، قابلتنا قوات جديدة من الأمن هناك، لم تكن تلك القوات بالسذاجة التي تجعلهم يرمون القنابل في ذلك المكان السياحي الحيوي الذي تتجمع فيه السفارات والسينمات والفنادق والمحلات التي لا تغلق أبوابها أبدًا، تكلموا مع بعض المتظاهرين الذين وقفوا سامعين صاغرين للرتب المهيبة التي تخاطبهم في ود مصطنع، والبعض الآخر أكمل مسيرته في اتجاهات متفرقة، فوجدت أن الأمر بدا عشوائيًا جدًا، فرجعت إلى البيت لأتابع المشهد عبر الشاشات ..
كانت كل شاشات التليفزيون المصري تسبب ليَّ حالة مزرية من القرف بما تعرضه من سخافات وكأن شيئًا لا يحدث، وكانت برامج التوك شو على الشاشات المصرية الأخرى تزيف طرف تطرحه من الحادث كخبر عابر عن أن هناك أحداث شغب يفتعلها (الإخوان المسلمون: الحيطة المايلة للنظام) في الشارع المصري، كدتُ أنهار تمامًا عندما طالعت شاشة الفراعين -التي يمتلكها كبير المنافقين السياسيين الموالين للحكومة: توفيق عكاشة- كانت تحادث أشخاص من برنامجها الرئيسي يدَّعون أنهم مراسلوا القناة من قلب الحدث في كل محافظة، كانوا يبثون أن لا شيء يحدث وأن الأمر مطمئنًا في كل الدنيا إلا من العشرات الذين يتظاهرون مظاهرات عادية مطالبين بمطالب إجتماعية، لم يكن ذلك البرود والتعتيم جديدًا على تعليمات السيد الرئيس، لكن القناة المصرية الوحيدة التي ناقشت الموضوع بكل وضوح وبصورة وافية حقيقية هي قناة ONTV المصرية في الساعات الأخيرة من ذلك اليوم، وكان النصيب الأكبر في بث الحدث من أرض الواقع في قلب القاهرة هي قناة الجزيرة الإخبارية القطرية ..
بقيت الجزيرة تذيع الحدث من قلب القاهرة بعد منتصف الليل حتى ساعات الصباح الأولى، وبقيتُ أتابع الحرب التي شنتها قوات الشرطة على شعب القاهرة، الشعب العظيم المنظم الشجاع الذي يعرف مطالب شعبه ويعرف كيف يطالب بها، هنا فقط عرفت أن الثورة المنشودة، يمكن أن تتحقق فعلا ..
غدًا أتابع أحداث اليوم ونتائج التظاهر خلال أيام الغضب.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق